فى ذكراه الثالثة.. القذافي ارتدى ثوب ناصر وتسلح بالجنون والقوة وحكم ليبيا 40 عامًا وقتله الثوار وقبر
تزامن أمس الإثنين 20 أكتوبر 2011 مرور 3 سنوات على مقتل العقيد الليبى معمر القذافى، ليطوى التاريخ صفحة كُتبت سطورها بالدم والنار، أحاط بها الغموض كما كان صاحبها الذي لا يذكر اسمه حتى يتبادر إلى الأذهان طغاة الشعوب التي حكمت شعوبها بالقوة.
كان يومًا قصيرًا وفارقًا فى تاريخ ليبيا، فساعات قليلة مضت بين ظهور القذافي وهو يستجدي شباب المقاتلين في مدينة "سرت" ويقول لهم "أنا مثل أبوكم"، وبين إعلان خبر مقتله، فيما بقي سر مقتله مدفونًا في المكان الذي قتل فيه العقيد القذافي.
مفارقات كثيرة تحملها حياة القذافى فقد قتل في "سرت" المكان الذي ولد فيه، بعد أن دامت دولته 42 عاماً تماماً مثل العام الذي ولد فيه، ففي يوم 7 يويو 1942 ولد معمر محمد عبد السلام بن حُميد أبو منيار القذافي، لأسرة بدوية محافظة تنتمى لقبيلة القذاذفة.
أتم القذافى تعليمه الابتدائي في "سرت" سنة 1956، لينتقل منها إلى مدينة سبها فى الجنوب، وأصبح زعيمًا طلابيًا فى الرابعة عشرة من عمره، وساعد في تنظيم مظاهرات ضد تفكك الروابط بين مصر وسوريا وتوزيع ملصقات تنتقد النظام الملكي، ووصل هذا النشاط إلى مسمع وانتباه السلطات، ليطرد من المدرسة في عام 1961 وأمرت أسرته بمغادرة سبها.
"مصراتة" كانت المحطة الثالثة في حياة القذافي، حيث أنهى بها دراسته الثانوية، وبدأ يؤمن بمبادئ النشاط القومي العربي، إلا أنه رفض الانضمام إلى أي من الأحزاب السياسية المحظورة المنتشرة في المدينة – بما في ذلك حركة القوميين العرب، وحزب البعث العربي الاشتراكي (الفرع الليبي) والإخوان المسلمين وأيضًا كان ممن يرفضون الطائفية.
قرر القذافي دراسة التاريخ فى الجامعة الليبية في بنغازي، متأثراً بقراءة السير الذاتية لناصر ولينكولن وأتاتورك وعمر المختار الذي يعتبره الشعب الليبي بطلاً قومياً وزعيماً روحياً، ولكن سرعان ما ترك الجمعة لينضم إلى الجيش، وفي عام 1963 بدأ التدريب في الأكاديمية العسكرية الملكية.
وجد القذافي في القوات المسلحة الفرصة المثالية للحراك الاجتماعي الصاعد لليبيين ونظر إليها على أنها الأداة القادرة على تغيير الواقع السياسي الليبي وإسقاط النظام الملكي المطلق للملك إدريس.
واستلهامًا لروح وفكر ناصر .. أسس القذافي عام 1964 اللجنة المركزية لحركة الضباط الأحرار، التي سميت تَيَمُناً بالمجموعة المصرية التي تأسست عام 1949، التقوا بقيادة القذافي، سرًا، وقدموا رواتبهم في صندوق واحد لتمويل الحركة، وسافر القذافي حول ليبيا قدر إمكانه لجمع المعلومات الاستخبارية وتطوير الاتصالات مع المتعاطفين مع قضيته.
تحركات القذافي لم تكن بعيدة عن أنظار أجهزة الاستخبارات الحكومية، ونظروا له كتهديد صغير نظراً لخلفيته المحدودة والفقيرة، وبعد عام على تشكيل "الضباط الأحرار" تخرج القذافي في أغسطس عام 1965، وعين ضابطًا في وحدة الاتصالات بالجيش الليبي .
وبمرور الأعوام تنامى دور التنظيم الذى كونه الملازم القذافى، وفي الأول من سبتمبر عام 1969 أطاح القذافى بحكم الملك إدريس السنوسي الأول ليسمى انقلابه بـثورة الفاتح من سبتمبر، وليحظى بتأييد من بعض الدول العربية وفي مقدمتها مصر إبان حكم عبد الناصر.
حكم القذافي ليبيا وهو شاب دون الثلاثين من العمر وأعلن الجمهورية فيها وأطلق على نفسه لقب "قائد الثورة" وشغل منصب رئيس مجلس قيادة الثورة حتى عام 1977، حين أعلن ليبيا أول جماهيرية في العالم وقدم نظام الحكم الجماهيري الجديد، كما كان يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة منذ سنة 1969.
وما أن سيطر القذافي على مقاليد الحكم في ليبيا حتى بدأ في رسم سياسته الخارجية التي كانت محوراً لعلاقاته بالعالم على مدار حكمه الطويل، فأمر على الفور بإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية، بما في ذلك قاعدة هويلوس الجوية، وفي تطبيق سريع لسياسة التأميم صرح القذافي للمسئولين الغربيين بأن شركاتهم ستقفل وسيطردون من الاستثمار بحقول النفط في ليبيا ما لم يشاركوا بالمزيد من العائدات، وهنا لم تجد تلك الشركات بدًا من الامتثال لمطلب القذافي، وزادت حصة ليبيا من 50 إلى 79 %.
ومع نمو صادرات البلاد الرئيسية من النفط الخام سعى القذافي إلى تحسين وضع قطاع النفط الليبي، ففي أكتوبر 1969، أعلن أن شروط التجارة آنذاك غير عادلة، لاستفادة الشركات النفط الأجنبية أكثر من الدولة الليبية، وبدأ مجلس قيادة الثورة في ديسمبر محادثات ناجحة لزيادة السعر من خلال التهديد والضغط للحد من الإنتاج إن لم يتمثلوا بذلك، في عام 1970، تبع أعضاء أوبك لتلك الخطوة، مما أدى إلى الزيادة العالمية في أسعار النفط الخام.
وبحلول عام 1971 بدأ القذافى يسعى لتوسيع تحالفاته الإقليمية، فوقع كل من الرئيس محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية، والعقيد معمر القذافى رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس وزراء الجمهورية العربية الليبية، والرئيس حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية على اتفاقية ودستور دولة اتحاد الجمهوريات العربية في بنغازي بتاريخ 18 نيسان 1971، وقد أجرى عليه استفتاءً شعبيًا في الأقطار الثلاثة في أول سبتمبر سنة 1971.
أثارت أفكاره التي يطرحها الكثير من الجدل داخل وخارج ليبيا، خاصة بعد انفراده بالقرار في البلاد لمدة تزيد على أربعة عقود واتهامه مع عائلته بتهم الفساد وهدر مقدرات البلاد لسنين طوال وقمع الحريات العامة، بالرغم مما أعلنه من فكر جماهيري بالمشاركة بالسلطة، ففي عام 1976 نشر القذافي كتابه الأخضر وجعله أيقونة لجماهيريته، وعرض فيه ما سماها النظرية العالمية الثالثة التي اعتبرها تجاوزاً للماركسية والرأسمالية، وتستند إلى حكم الجماهير الشعبية، وتم اعتماد اللون الأخضر لونًا رسميًا في البلاد.
وطرح القذافي نظرية سياسية في الحكم تقوم على سلطة الشعب عن طريق ما أسماه بالديمقراطية المباشرة من خلال المؤتمرات الشعبية الأساسية كأداة للتشريع واللجان الشعبية كأداة للتنفيذ، وهي طرح اشتراكي بصورة جديدة أسماها بالنظرية العالمية الثالثة وقدمها كبديل عن الرأسمالية والماركسية.ووصفها معمر القذافي بـ" خلاصة التجارب الإنسانية". وقدم معمر القذافي أداة سياسية فريدة من نوعها تعرف باللجان الثورية ليس من بين أهدافها الوصول إلى السلطة.
تصرفات القذافي كانت مثارًا للاستهجان والعداوة مع دول الجوار والعالم الخارجى، حتى وصل الأمر إلى جر عداوة مصر التى سانداته في ثورته، وبلغ الأمر مداه حين شن الرئيس السادات طلعات جوية فى سماء ليبيا والتى اعتبرها السادات مجرد "شد أذن" للقذافى، وطالما اعتبر القذافي نفسه "قائد ثورة" ومؤيداً للكثير من حركات التحرر، مثل حركة الباسك في إسبانيا والحزب الجمهوري الإيرلندي والبوليساريو والفصائل الفلسطينية، كما شكا كثير من الأنظمة العربية والإفريقية من دعمه وتمويله لحركات تمرد ومحاولات انقلاب فيها، لكنه مع ذلك قمع بقوة الحديد والنار كل المعارضين لنظامه، تمامًا مثل ما حدث في سجن بوسليم 1996 حين قتل أكثر من 1200 سجين رميًا بالرصاص.
وبلغ الأمر مداه حين تورط نظامه فى سقوط طائرة الركاب الأمريكية بوينج 747 التابعة لشركة بان أمريكان فوق لوكيربى باسكتلندا والتى أسفرت عن مقتل 259 شخصاً عام 1988 ، وهو الأمر الذى عرض ليبيا لمزيد من العقوبات بعد تعرضها للقصف من أمريكا قبل عامين سنة 1986.
وبات ينظر إلى القذافى باعتباره شخصية متعددة الأطوار ففى مؤتمر القمة العربية في دمشق سنة 2008، افتتح القذافي كلمته في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية بمهاجمة الزعماء العرب، واتهمهم بالتآمر على بعضهم، وأنهم "يكرهون بعضهم ولا يتمنون الخير لبعضهم"، حذر القذافي في كلمته التي قوبلت بالضحك من قبل الحاضرين، الزعماء العرب المقربين من الولايات المتحدة من مواجهة مصير الرئيس العراقي السابق صدام حسين وطالبهم بتوطيد العلاقات مع ايران لأنها بلد مجاور ومسلم وأن ليس من مصلحة العرب معاداتها، وفى عام 2009 حضر القذافي إلى الأمم المتحدة وهي الأولى له منذ أن وصل الى سدة الحكم في بلاده قبل أربعين عامًا وألقى خطابًا استغرق به ساعة وخمسا وثلاثين دقيقة، استهل القذافي خطابه بان بلاده لا تعترف بميثاق الأمم المتحدة وأنه يمثل 1000 مملكة إفريقية وطالب بتعويضات من الغرب على استعمار القارة السوداء، وطالب بدفع مبلغ 7.77 ترليون دولار كتعويضات لإفريقيا على استعمارهاـ مدح القذافي باراك أوباما وقال إنه لا يمانع في أن يكون رئيسًا طوال الحياة للولايات المتحدة.
وأثار القذافي غضب الكثير من التونسيين والعرب حين انتقد الإطاحة بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وقال إن التونسيين تعجلوا الإطاحة به، كما أنه هاتف الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك أثناء الثورة المصرية، وبعث له برسالة تضامن في وجه الثورة، التي سرعان ما امتد لهيبها إلى ليبيا أياماً قليلة بعد رحيل مبارك.
وبعد أن تمت الإطاحة بجاريه مبارك وزين العابدين، بدا القذافى واجمًا مصدومًا خائفاً من ويلات الثوره التى امتدت الى جماهيريته التى حكمها لأكثر من أربعة عقود، إلا أنه تسلح برداء الجنون والقوة المفرطة، وألقى خطابه الشهير الذى وصف فيه ثوار بنى غازى بـ "الجرذان" ودعا للمقاومة " من بيت لبيت ومن حارة لحارة، ومن زنقة لزنقة" وهو الخطاب الذى أثار ضحك الملايين حول العالم بما فيهم الرئيس الامريكى باراك أوباما، ثم استقل القذافي "التوكتوك" الخاص به داعيًا إلى حشد الملايين من أبناء شعبة بالساحة الخضراء بطرابلس.
ومع تزايد الثورة قتل العديد من أبناء القذافى وما جن جنونه وبدأ فى قصف الثوار بالطائرات، إلى أن سقط نظامه فى 22 أغسطس 2011، وفى عصر اليوم التالى اقتحم الثوار باب العزيزية معقل العقيد القذافي حيث يوجد بيت الصمود تحت غطاء دولى من حلف شمال الأطلسى، وظل المسئولون الغربيون منقسمون حول ما إذا كان القذافي هدفًا عسكريًا مشروعاً بموجب قرار مجلس الأمن. لكن في المقابل دعت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون أن القذافي إما أن يقتل أو يؤسر.
بعد حكمه ليبيا لأكثر من 40 سنة قتل معمر القذافي في" سرت" عن عمر يناهز 69 سنة في 20 أكتوبر 2011 بعد قتله إعداماً أو متأثراً بجراحه بعد أسره من قبل ثوار ليبيا في مدينة سرت مع وزير دفاعه وحراس شخصيين إثر هروبهم من غارة للناتو يعتقد أنها من قوات فرنسية استهدفت القافلة المكونة من سيارات كثيرة وقتل معه أبو بكر يونس وزير دفاعه وقتل ابنه المعتصم، وتم القبض علي ابنه سيف الإسلام لاحقًا.
وقد أعلن المجلس الانتقالي الليبي نقل جثمان القذافي إلى مدينة "مصراته". بينما نفى محمد ليث القائد الميداني للمنطقة الجنوبية في مدينة سرت قتله أو جرحه من قبل غارة من الناتو وأكد أن من قتلوه هم الثوار الليبيون.
يًذكر أن موكب القذافي تم استهدافه من قبل قوات الناتو ما اضطر للهرب مشيا على الأقدام ومن ثم الاختباء في أنبوب مجاري حتى تم القبض عليه من قبل الثوار. بحسب ما قال منصور ضو رفيق درب القذافي حتى النهاية.
تقارير قالت إن معمر القذافي يتصدر قائمة أثرياء الزعماء العرب بثروة تقدر بـ 131 مليار دولار، وهي ثروة تقارب ستة أضعاف ميزانية ليبيا للعام 2011 البالغة 22 مليار دولار.