الدكتور عبد العزيز التويجري يتناول تأثير الإعلام على اللغة العربية والدعوة للحفاظ علي اللغة
دعا الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام السابق للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، إلى ضرورة تضافر جهود أهل اللغة، لاسيما أولي العزم من العلماء، وحُماتها، والدارسين والباحثين في بحورها، إلى تكثيف الجهود، للنهوض بواقعها، وبحث العوامل التي تعوق تطورها، وتحول دون انطلاقها، وفك قيود الجمود عنها، من أجل أن نرتقي بلغتنا ارتقاء لغوياً وعلمياً وثقافياً، وننهض بها نهوضاً حضارياً يبوئها المكانة اللائقة بها بين لغات العالم.
وأكد التويجري في كتابه الصادر حديثا ضمن (منشورات الإيسيسكو) ويحمل عنوان «اللغة العربية في العصر الرقمي» إن الهجمة الشرسة التي تتعرض لها اللغة العربية، خلال هذه المرحلة من التاريخ، لم يسبق لها مثيل حتى في عصور التراجع الحضاري، التي عرفها تاريخنا العربي الإسلامي، مما يتطلب بذل جهد مكثف في هذا المضمار، لتنمية اللغة العربية، ولصدّ العدوان عنها، ولحمايتها والحفاظ على سيادتها حتى لا تعلوها سيادة لغة أخرى، مهما تكن، لتكون العربية معبرة عن الحياة ولغة العصر، لا لغة التاريخ، والتراث فحسب، تسود، وتهيمن، وتفرض وجودها، بما لها من مقوّمات للتطور، ومؤهّلات للتجديد، وإمكانات للانتشار والامتداد واختراق آفاق العلم والمعرفة.
ويشرح التويجري، العضو المراسل لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، في مقدمة الكتاب، المفهوم العلمي لتنمية اللغة، ويقول: إن النهوض باللغة العربية يبدأ من تنمية اللغة، بكل ما في مصطلح (التنمية) من معانٍ ودلالات، تنطلق من الإنماء الذي يتسع مجاله فيقع تفاعل النمو، أو تفعيل الإنماء، فيتحول إلى تنمية تتفاعل فيها عناصر تقوية اللغة، وتطويرها، وتجديدها، وإنهاضها من الكبوات التي وقعت فيها، وإبراؤها من الأعطاب التي أصيبت بها في زمن التراجع الحضاري، حتى ينتهي الأمر باللغة إلى اكتساب الصحة والسلامة ، وتقوية المناعة. فهذا هو المعنى الحقيقي لتنمية اللغة العربية الذي يجب أن يكون الهدف الذي يجتمع حوله العاملون في حقول اللغة كلٌّ من موقعه. مؤكداً من هذا المنطلق أن البحث في قضايا اللغة العربية، على تعدد مناحيه، لا ينحصر في حقل واحد، بل لهذا البحث حقول عدة، ومداخل مختلفة، ومسارات إنْ تَبَايَنَت، فهي جميعاً تُفضي إلى غاية واحدة، يسعى الباحثون في هذه القضايا اللغوية إليها، سعياً حثيثاً، مهما تعددت وسائلهم، وتنوعت مناهجهم، واختلفت مدارسهم العلمية التي ينتسبون إليها، واتجاهاتهم الفكرية التي ينتمون لها، لأن خدمة اللغة العربية تجمعهم، كما أن عشقهم لها، وهيامهم بها، ودفاعهم عنها، يوحدهم.
ويختتم التويجري مقدمة الكتاب، بالتأكيد على رُفعة مكانة اللغة العربية عالمياً، خصوصاً وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت يوم «الثامن عشر» من شهر ديسمبر، يوماً عالمياً للاحتفاء باللغة العربية، ويقول: حينما نخدم لغتنا، ونرتقي بها على هذا النحو، نخدم في الحقيقة، الحضارة الإنسانية، وليس الثقافة العربية الإسلامية فحسب، كما قد يظن بعضٌ من ذوي النظر القاصر. فالعربية لغة إنسانية، بالمعنى الثقافي والحضاري الدقيق، فهي ليست لغة العرب، أو لغة المجتمعات الإسلامية عموماً فحسب، ولكنها لغة العالم، بالمدلول العميق للكلمة، أي لغة الحضارة الإنسانية التي تجمع جميع الحضارات التي عرفها الإنسان. ولذلك كان كل جهد مخلص يبذل في هذا المجال، هو عمل ثقافي، وإنجاز فكري، وعطاء إنساني، تجني ثمرتَه البشرية جمعاء، لأنه يصبُّ في خدمة الحضارة الإنسانية، فهو جهدٌ حضاريٌّ وإنسانيٌّ راقٍ.
يضم الكتاب الجديد الذي يأتي متمِّماً لكتاب سابق للمؤلف بعنوان «في مسار تجديد اللغة العربية»ويضم أربعة فصول تتناول «اللغة العربية والهوية الثقافي»، و«تعليم اللغة العربية: تحديات ومعالجات»، و«تأثير الإعلام على اللغة العربية»، و«الأثر الإيجابي للتواصل الاجتماعي في التطور اللغوي».